Monday, November 19, 2007

الشوارع


نتوق للأمكنة التي تصنعنا وللحواس التي تتشكل في ثنايا الأمكنة فتتكون أول فكرة عن ماهية العالم وماهيتنا. وإذا كانت الأمكنة تخلق لنا نماذجا ً وقوالبا ً ترسم لنا حدود العالم المحيط بنا، أحيانا ً تغامر الغريزة فينا وتوجه أنظارها نحو عوالم وأمكنة أخرى تضيف على كينونتنا الكلية مساحة جديدة للإرتجال والمقايضة والإنكشاف على الآخر. فحدود الآخر حدودنا، وماهيته على حافة وعينا. والتعامل مع الآخر عبر صيغ فكرية ومكانية تلامس شبه الحقيقة المطلقة التي تحيط بنا تجعل منا أشبه بأنابيب تجارب ما تلبث أن تصوغ ذاتها بمعزل عن مفاهيم الزمن وإسقاطاته. فإذا كانت الشوارع كحالات مشوشة من ذاكرة المكان والزمن الآني والتاريخ والحدث، فإن وقعها علينا يتمحور حول تجارب الطفولة وإستغراق الحواس في الإدراك. ففي ظل تدفق محدودية الأمكنة الفكرية فينا وفيها، يكون لكل زمن وقع آخر في الذات يتشرذم في ذاته وفي ذات المكان ومفهوم المكان. فكما الأمكنة تفرض علينا مركزا ً فكريا ً في التعامل مع المحيط، كذلك اللأمكنة. وكما يفرض الزمان علينا التعامل مع مجريات الأمكنة وعلاقتنا مع الآخر وآخرنا، كذلك مفهوم اللازمن. هذا النص يعبر عن تدفق حالات الروح في مفهوم الزمن والمكان وفي مفهوم اللازمن واللامكان. هنا برأيي تبدأ معايير الإنسانية بمحدودياتها التاريخية بلعب دور ٍ بديل ٍ عن المفاهيم التقليدية لإعادة الصياغة والتعبير وتكون هي بمثابة الأداة الجديدة التشكيلية الأصيلة التي تتجاوز ذاتها نحو التعبير عن مناطق في الروح تكون بالأصل قد خرجت مفهوميا ً عن مصادر الوحي التقليدية والصيغ التقليدية. هذا النص هو تعبير مكثف عن مكان الذات وزمن الذات في زمن اللأمكنة وأمكنة اللازمن.

عيسى بولص



No comments: